موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: قتل الولد على يد الأب أو الأم
قتل الولد على يد الأب أو الأم
س: إنّ اهتمام الإسلام البالغ لمكانة الإنسان وكرامته الإنسانية، ونظرته الحقوقية إلى الطفولة ومنذ انعقاد النطفة، جعلت الطاقم الخبري لوكالة الأنباء الإيرانية (ايسنا) ينطلق إلى سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الصانعي لاستحصال جواب على السؤال التالي:
نظراً إلى ارتفاع حالات القتل الصادرة عن الآباء لأبنائهم بالنسبة إلى السابق، واهتمام المختصين تجاه هذه المسألة التي باتت تشكّل مصدر قلق لهم، لاسيّما مع وجود المادة (220) من قانون الجزاء الإسلامي التي تفيد: «إذا قتل الأب أو الجدّ من الأب الولد فلا يقتصّ من القاتل، ويحكم عليه بالتعزير ودفع الدية إلى ورثة الولد المقتول» والتي ساهمت في اجتراء بعض الآباء ـ ولو نادراً ـ على ارتكاب جرائم القتل بحقّ أولادهم لسبب أو لآخر.
ومع ملاحظة كون باب الاجتهاد مفتوحاً، ورأي بعض علماء الإسلام المبني على أنّ قتل الولد إذا ما صدر عن أحاسيس وعواطف، وبسبب تخلّف الولد عن نصائح أبيه المتكرّرة، فلا يقتصّ منه، دون سائر دوافع القتل على هذا الصعيد. فما رأي سماحتكم في مايلي:
1 ـ هل رأيكم يطابق هذا الرأي؟
2 ـ وبالنظر إلى مقتضيات عصرنا الراهن، هل ترون ضرورة إصلاح المادة (220) من قانون الجزاء الإسلامي في بلدنا؟
3 ـ لو كانت الأم هي القاتلة لولدها ، فما حكم ذلك؟
ج ـ إنّ الاستثناء من الأصل الكلّي للقصاص في مورد قتل الولد على يد والده، والذي ورد في الروايات الصحيحة، قد اختصّ بما إذا صدر القتل عن عواطف وأحاسيس، وتخلّف الولد عن الاستجابة لنصائح أبيه الخيّرة، وليس سائر الموارد التي يصدر القتل عن دوافع أخرى، والتي هي موجودة في باقي موارد القتل الشائعة، ففي هذه الموارد يبقى الأصل الكلّي للقصاص ثابتاً.
وبعبارة أخرى: عدم الاقتصاص من الأب القاتل يختصّ ـ تقريباً إذا لم نقل: تحقيقاً ـ بما إذا تكرّر النصح لولده، ونفذ صبره ممّا يفعله الولد، وتخلّفه عن نصائحه الخيّرة رغم كلّ العواطف النبيلة التي يبديها الأب تجاهه، وكأنّ الأب قام بقتله لأجل تخلّف الولد عن الاستجابة لكلّ تلك النصائح المتكرّرة. ولا يشمل الموارد التي يصدر فيها القتل عن دوافعٍ أخرى موجودة ـ عادةً ـ في سائر موارد القتل الشائعة، يعني لأسباب شخصية، أو عن عداوة وبغض، أو طمع في المال والجاه والرئاسة، أو الخوف من افتضاح الخيانة، أو غير ذلك من أمثالها؛ لأنّه في هذه الموارد من القتل ليست للأبوّة ولا للبنوّة ـ اللذين وردا في لسان الأدلّة ـ أيّ وجهٍ من الخصوصية في عملية القتل. وأدلّة الاستثناء بسبب هذه الدلالة: إمّا هي ظاهرة في القسم الأول، أو منصرفة عن القسم الثاني.
وعلى كلّ حال فإنّ شمولية دليل الاستثناء إنّما هي لأجل إطلاقه، وإطلاقه؛ إمّا لأجل هذا الإشعار المذكور أو لمناسبة الحكم والموضوع، منصرف عن الشمول لموارد القتل الصادر عن دوافعٍ غير إنسانية (القسم الثاني)، ويشمل فقط موارد القتل من القسم الأول، يعني انصرافه إليه، أو أنّ دخل عنوان الأبوّة والبنوّة في عملية القتل، والفهم العقلائي من حيث أنّ المقنّن لا يريد ترك جناية الولد تمرّ من دون قصاص، ومناسبة الحكم والموضوع، سبّبت الظهور اللفظي لذلك الدليل بواسطة القرينة المذكورة في الاختصاص بالقسم الأول.
إضافة إلى أنّه لو فرضنا أنّنا قبلنا بإطلاق الدليل وشموله لكلّ موارد القتل للولد على يد الأب، فكذلك ينبغي القول بالاختصاص؛ لأنّ إطلاقه مخالف للقرآن الكريم الذي يقول: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ) البقرة: 179، لأجل أنّه مع هكذا استثناء، وعدم الخشية من القصاص، فسوف لاتأمن حياة الأبناء ولا المجتمع. على أنّ لسان الآية: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) يأبى عن التخصيص، إذاً إطلاق تلك الأدلّة مخالف لهذه الآية الكريمة، ولذا يجب ضربه عرض الحائط.
وأمّا استثناء اقتصاص الأب في موارد القتل العاطفي لولده ـ الذي بيّناه آنفاً ـ فلا يضرّ بحياة المجتمع؛ لأنّ قتل الأب لولده في مثل هذه الموارد لا يمنع ولا يردع عن قتل الآباء لأبنائهم في الحالات الخاصة.
ومع صرف النظر عمّا سبق، فيمكن القول: إنّ أدلّة قصاص النفس مختصّة بدعاوي الأفراد الذين يرتكبون جريمة القتل عن عداوة وبغض، ولأسباب حيوانية غير إنسانية، ولاتشمل القتل عن عاطفة نبيلة وخيّرة صادرة عن مصلحة، وبعد نفاد الصبر من النصائح المتكرّرة.
ويجب الالتفات أيضاً إلى أنّ احتمال الاختصاص في أدلّة الاستثناء يمنع من التمسّك بالإطلاق، ويجب الاقتصار على القدر المتيقّن، وهو موارد القتل العاطفي الذي يرتكبه الأب ضدّ ولده.
هذا، ولا فرق بين الأم والأب على هذا الصعيد، سواء في القصاص أو عدم القصاص.