|
إشكال السیّد الخوئي على الاستدلال بحرمة التشبیب بالإيذاء والردّ علیه
ثمّ إنّ السيّد الخوئي(قدس سره) قد استشكل على الاستدلال بحرمة التشبيب بالإيذاء بقوله: إنّـه لا دليل على حرمة فعل يترتّب عليه أذى الغير قهراً إذا كان الفعل سائغاً في نفسه، ولم يقصد العامل أذيّـة الغير من فعله؛ وإلّا لزم القول بحرمة كلّ فعل يترتّب عليه أدى الغير، وإن كان الفعل في نفسه مباحاً أو مستحبّاً أو واجباً، كتأذّي بعض الناس من اشتغال بعض آخر بالتجارة والتعليم والتعلّم والعبادة ونحوها، وكثيراً مّا يتأذّي بعض التجار باستيراد البعض الآخر مال التجارة، ويتأذّي الجار بعلوّ جدار جاره أو من كثرة أمواله، مع أنّ أحداً لا يتفوّه بحرمة ذلك.([83]) ويرد عليه: أنّـه فرق بين فعل يترتّب عليه أذى الغير قهراً، من دون أن يكون لذلك الفعل دخالة في شؤون الغير واختياراته، كالأمثلة التي ذكره(قدس سره)، وبين فعل يوجب إيذاء الغير ويكون تصرّفاً في شؤون الغير واختياراته، فإنّ في الأوّل يصدق أنّ الغير تأذّي من تجارة التاجر أو ارتفاع جدار الجار، من دون أن يصدق أنّ التاجر أو الجار أذّى الغير، ولكن في الثاني يصدق أنّ الفاعل أذّى الغير بفعله، كما إذا اغتاب مؤمناً أو افترى عليه، والتشبيب المورد للبحث في المقام من قبيل الثاني، فإنّـه تصرّف في شؤون الغير واختياراته، ويصدق على المشبّب أنّـه أذّى تلك المرأة المؤمنة المعروفة المحترمة، فقياس أحدهما بالآخر خلطٌ بين المقامين، فلا تغفل. ولكن مع ذلك كلّه، يمكن الإشكال في الفحوى وتنقيح المناط بأنّ الروايات الدالّة على حرمة النظر لا يستفاد منها أنّ المناط والعلّة للتحريم هي إثارة الشهوة وتهييجها؛ لعدم ظهور لها في ذلك، لعدم وجود لفظ يدلّ عليه، بل لا ظهور لها في أنّ إثارة الشهوة وتهييجها هي الحكمة المنحصرة أيضاً حتّى يقال: كلّما يوجد الحكمة المنحصرة يوجد الحكم أيضاً، فمن الممكن أن تكون إثارة الشهوة جزء علّة للتحريم وكان جزئه الآخر شيئاً آخر، مثل استيجاب النظر الاختلاف بين الزوجين والفرقة بينهم؛ لأجل مقايسته بين المرأة الأجنبيّـة وبين زوجته، وكذلك الأمر في جانب نظر المرأة إلى الرجل الأجنبيّـة، ومثـل كـون النظر هتكاً لحرمة المرأة المؤمنة المحترمة. ويشهد على ذلك، بل يدلّ عليه صحيحة عبّاد بن صهيب، قال: سمعت أبا عبدالله(علیه السلام) يقول: «لا بأس بالنظر الى رؤوس أهل التهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج، لأنّهم إذا نهوا لاينتهون»، قال: «والمجنونة والمغلوبة على عقلها ولا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمّد ذلك».([84]) ثمّ إنّ حرمة التشبيب هل يختصّ بالمرأة الأجنبيّـة، أم تعمّ المحرمة، والزوجة، والمخطوبة بالعقد ومن يراد تزويجها؟ مال الشيخ(قدس سره)إلى جواز التشبيب بالمخطوبة قبل العقد وبالحليلة، حيث قال: نعم، لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد تزويجها، لم يكن بعيداً؛ لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها، والمسألة غير صافية عن الاشتباه والإشكال. ثمّ إنّ المحكيّ عن المبسوط وجماعة:([85])جواز التشبيب بالحليلة بزيادة الكراهة عن المبسوط([86]).([87]) ولا يخفى أنّ مقتضى أدلّة الأصحاب، وأدلّة الشيخ(قدس سره) هو تعميم الحكم وعدم الفرق بين الأجنبيّـة، وبين المحرمة، والزوجة، والمخطوبة بالعقد ومن يراد تزويجها؛ لأنّ حرمة تفضيح المرأة، وهتك حرمتها، وإيذائها، وإغراء الفسّاق بها، والنقص عليها وعلى أهلها، وحرمة اللهو والباطل والفحشاء، والمنافاة للعفاف، وتهييج الشهوة وإثارتها، لا تختصّ بالمرأة الأجنبيّـة، بل قد يتحقّق تلك في تشبيب الزوجة، والحليلة، والمخطوبة بالعقد ومن يراد تزويجها. واستثناء بعض الأصحاب الزوجة، والمحرمة، والمخطوبة بالعقد ومن يراد تزويجها إنّما تكون في موارد عدم انطباق العناوين التسعة المذكورة التي استدلّ بها على الحرمة، عليها، وإلّا ففي فرض انطباق العناوين علیه، الاستثناء في غیر محلّه کما لا یخفی. ----------------- [83]. مصباح الفقاهة 1: 342. [84]. الكافي 5: 524، باب النظر إلى نساء الأعراب وأهل السواد، الحديث 1؛ من لا يحضره الفقيه 3: 300 /1438، باب النوادر، الحديث 21، مع تفاوتٍ يسير؛ وسائل الشيعة 20: 206، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه، الباب 113، الحديث 1. [85]. منهم المحقّق في شرائع الإسلام 4: 117؛ والشهيد في الدروس الشرعيّـة 3: 163، درس 231؛ والمحقّق الثاني في جامع المقاصد 4: 28. [86]. المبسوط 8: 228. [87]. المكاسب 1: 180.
|