موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: بحثاً عن فقه معاصر
آية اللَّه العظمى الصانعي يصدر فتاوى جديدةبحثاً عن فقه معاصر
«نون والقلم وما يسطرون» هذه الآية الكريمة من سورة القلم منقوشة فوق باب دار آية اللَّه الصانعي أحد مراجع التقليد عند الشيعة... يشهد الناظر ازدحاماً ملفتاً للانتباه في مكتب ودار آية اللَّه الصانعي، حيث تحتشد نماذج من كافة انواع الافكار والمتسويات والطبقات الاجتماعية في قم وسائر مدن ايران.. يتحدث كادر المكتب والشباب الناشط في داره بلهجة مخصوصة يتميّز بها جزء من مدينة اصفهان القديمة واحياناً يتعذر فهمها. ولا يستثنى من ذلك كبار السنّ الذين انيطت بهم مهمّة الضيافة.. وفي الجناح الداخلي الذي يضمّ عدة غرف افردت لاستقبال الضيوف الرسميين كان آية اللَّه الصانعي يرحب بالضيوف..
يتميّز آية اللَّه الصانعي بمظهره البسيط وطلعته البهيّة ونظراته الثاقبة، ولايبدو لمن يجهله انه من مراجع الدين، وحينما اجتزت أمامه للمرّة الأولى لوَّح لي بيده - برغم عدم معرفته إياي - وسلّم عليّ بصوت مرتفع.
وقد استخرجنا الفتاوى الواردة في هذا التقرير من كتاب (منتخب الأحكام) والجزء الثاني من كتاب (مجمع المسائل) لآية اللَّه الصانعي.
ميثم? محمدي?
بادر سماحته في رسالة (توضيح المسائل) إلى تعريف المعتقدات والشعائر والمناسك الدينية وجانب من (الاخلاق الدينية) يمكن الاطلاع على نماذج منها في احكام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم المتعة، وإقامة صلاة الجمعة، وشرائط المرجعية
سيرته الذاتية
يعدّ آية اللَّه الصانعي من تلاميذ الامام الخمينيقدس سره زعيم الثورة الاسلامية في ايران، وقد كانت ولادته عام 1316 هجري شمسي في قرية (ينج آباد جرقوية) الواقعة في ضواحي مدينة اصفهان، وجدّه الاكبر هو المرحوم الحاج الملا يوسف الذي يعتبر من علماء عصره حيث درس الفلسفة على يد المرزا جهان?ير خان القشقائي، والفقه على يد المرزا حبيب اللَّه الرشتي، ومن اعماله المشهودة له الترويج لحركة المرزا الشيرازي في ثورة التنباك.
انتسب آية اللَّه الصانعي إلى حوزة اصفهان في سنّ التاسعة من عمره، وحينما بلغ الخامسة عشرة انتقل إلى حوزة قم، وقد ظهرت عليه مخايل الذكاء في تلك السنوات المبكرة، حتى نال المرتبة الأولى في امتحانات السطوح العالية في الحوزة سنة 1334 هجري شمسي، وحضي بتشجيع المرجع الديني الكبير آية اللَّه العظمى البروجرديقدس سره.
ثم بدأ آية اللَّه الصانعي - حيث كان طالباً يافعاً - بالانضمام إلى الامام الخمينيقدس سره شيئاً فشيئاً حتى عُدَّ من خلص اصحابه وطلابه، وقد واظب على حضور دروسه وابحاثه العلمية والسياسية ابتداءً من عام 1334 وحتى عام 1342 هجري شمسي حيث تم إقصاء الامام الخمينيقدس سره من ايران.
وقد بلغ آية اللَّه الصانعي درجة الاجتهاد في سنّ الثانية والعشرين من عمره، مما يدل على سعة ذكائه ومقدرته العلمية المبكرة، وبدأ بالقاء دروسه في البحث الخارج عام 1354 هجري شمسي في باب الزكاة في مدرسة الحقّاني وكان له من العمر 38 سنة، فكانت هذه نقطة الانطلاق في تدريس علم الفقه الشيعي لفقيه يتطلع إلى مستقبل حافل بالدرجات العلمية في الدين الاسلامي، وقد استمر الامر على هذا المنوال إلى يومنا هذا، وكانت حصيلة خمسة وعشرين عاماً من التدريس والتحصيل والسعي الدؤوب في فهم الدين الاسلامي وعلى الخصوص الجانب الفقهي منه، أحكاماً دينية جديدة وعصرية أبرزت آية اللَّه الصانعي بوصفه مرجعاً دينياً مجدداً.
وبعد انتصار الثورة الاسلامية عُيِّن بأمرٍ من الامام الخمينيقدس سره عضواً في مجلس صيانة الدستور بتاريخ 1/12/58 هجري شمسي ، ثم استقال عن هذا المنصب بتاريخ 61/10/19، حيث تمّ تنصيبه بأمر الامام قدس سره مدعياً عامّاً، وقد تحدث عنه الامام قدس سره في هذه المناسبة قائلاً: (نقوم في الوقت الراهن بالقاء هذه المسؤولية على عاتق الشيخ يوسف الصانعي، ونخوِّله منصب مدعي العموم ونقدمه للسادة، لقد توليت رعاية الصانعي، كواحد من ابنائي. وحينما كان يحضر دروسنا طيلة تلك السنوات وكان يختص بي ويحدثني كنت امتلأ غبطة وحبوراً، فهو رجل عالم وشخصية بارزة بين علماء الدين).
( صحيفة الامام، ج 17، ص 231.)
وقد شهدت إذاعة الجمهورية الاسلامية أياماً أجاب فيها آية اللَّه الصانعي عن أسئلة الناس الشرعية، وكان ذلك باذنٍ من قائد الثورة مما يدل على ثقته بعلمية وفقاهة آية اللَّه الصانعي.
وفي تاريخ 16 / 4 / 1364 هجري شمسي استقال آية اللَّه الصانعي من منصب مدعي العموم أيضاً، فكان بيان الامام الخميني قدس سره في هذه المناسبة كسابقه حافلاً بالتبجيل والتكريم حيث ورد فيه: (لقد شقَّ عليّ ان يستقيل الشيخ الصانعي، وكلّي أمل في ان يكون شخصاً مؤثراً اينما كان، واشكر له جهوده ومساعيه، فقد عرفته لسنوات طويلة فوجدته عالماً مخلصاً ومؤثراً).
(صحيفة الامام، ج 19، ص 309)
ومن جملة مسؤلياته الأُخرى ممثلية قيادة الثورة في المجلس الاعلى لاعمار المدن المتضررة بالحرب، والعضوية في الدورة الأولى لمجلس الخبراء بوصفه ممثلاً لاهالي طهران بمليوني صوت.
تقرير عن مجتمع
ان المجتمع الايراني الراهن الذي تختلف فيه آراء الفئات يواجه تغييرات اجتماعية وثقافية كبيرة ويعيش اضطراباً شديداً ويشهد انحساراً في الاجيال التقليدية، فغالبية الجيل المعاصر في ايران أمّا لم تدرك الثورة الايرانية في عام 57ه ش أو لم تستوعبها، وقد كان هذا الجيل اثناء الحرب العراقية الايرانية في مرحلة الطفولة أو بداية الشباب حيث تنعدم القدرة على تفهم الظروف وتحليلها إلّا فيما ندر.
ومن أهم الاحاديث المتداولة حالياً في الاوساط فيما يخصّ الحاجة الرئيسة لهذه الشريحة الاجتماعية الكبيرة في ايران يرتكز حول الضمان الفكري والثقافي والدعم الجذري والتاريخي، وهذا إنّما يمكن تحقيقه شريطة ان لا يواجه الجيل المذكور اسساً غريبة ومهجورة، وان لا يستقبل ثقافة مصطنعة ليقع بعد ذلك نتيجة لتقبلها وتحليلها وتفصيلها في مأزق من نوع آخر. وفي هذا البين يعد بحث الدين ومنزلة التفكير الديني وكيفية اعتناق المذهب بوسائله التقليدية على ما يبدو، من مقولة أُخرى. وفي ايران يُعدّ مراجع الدين الجهة العليا ومصدر الحل والفصل بين الخلافات الدينية في مجال الاحكام الفقهية والتقليدية.
وطبعاً يعد العلماء والفلاسفة والمفكرون الاسلاميون، من اصحاب النظر في الابعاد التاريخية والفلسفية والروائية أيضاً. والمرسوم بين مراجع الدين تخصيصهم الجزء الاخير من دروسهم في بحث الخارج بالحديث حول السياسة المعاصرة أو الابعاد الاجتماعية والآراء الاقتصادية العامة، دون ان يكون لذلك مساس بالاحكام الفقهية أو ما يصطلح علية بالفتاوى الدينية لمراجع ايران، بمعنى ان حياة المراجع الاجتهادية كانت على قسمين: قسم يرتبط بالاحكام والفتاوى الدينية في الفقه الشيعي. والقسم الثاني يرتبط بالمسائل المعاصرة الاجتماعية والعامة وقد تعايش هذان القسمان إلى جانب بعضهما دون ان ينصهرا في بعضهما. وبعبارة أُخرى ان مراجع الدين لم يستجيبوا لمطالب عوام الناس، والطبقة الوسطى، وساسة المجتمع ومفكريه بخصوص اعادة النظر في الاحكام الدينية، أو احداث ادنى تغيير في المسائل الفقهية.
تقرير عن إيجاد تغيير
يدور البحث حالياً حول الاحكام الجديدة لآية اللَّه الصانعي على شكل اشاعات أو جدل بين الطبقات المختلفة في المجتمع الايراني سواءٌ منهم الشباب (الجامعيين والعمال والعاطلين والطبقة الوسطى) والمنتديات غير الدينية والشخصيات المذهبية وغيرها بل والساسة والمفكرون أو حكام المجتمع الاسلامي في ايران.
إن لآية اللَّه الصانعي آراء جديدة حول اداء الممثلات ادوارهن في البرامج التلفزيونية والافلام السينمائية، فالذي كان شائعاً هو أن رأيه الجديد يبيح للمرأة التمثيل في الافلام، وطبعاً قد تمّ فيما بعد تصحيح هذا الرأي بالشكل الآتي: (لا يجوز ظهور المرأء المسلمة في الافلام دون حجاب إذا كان المشاهد رجلاً، ولا يمكن الحكم بجواز ذلك بحجة اقتضاء الضرورة له، لانها ضرورة أوجدناها بانفسنا وتزول بتغيير الدور).
( سايت ?ويا 29/ 5 / 81.)
يرى بعض ان آية اللَّه الصانعي يهتم بمشاكل مقلديه ومن هنا فقد اتجه نحو الاحكام الجديدة، وقد شاعت هذه الرؤية - بغضِّ النظر عن صحتها أو سقمها- في محاورات الايرانيين على نطاق واسع حيث يتحدثون عنها بحرارة ولهفة شديدة، والذي لا يُتطرق اليه في البين إلّا قليلاً هو المباني الفقهية لهذه الاحكام الجديدة، فحتى العلماء لم يبحثوا في هذه النقطة كثيراً، وإنّما الشائع هو ان جامعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم أصدرت بياناً انتقدت فيه الفتاوى الجديدة لآية اللَّه الصانعي بشدّة، بل ونشرت كراسة في هذه الانتقادات، ووجهت سهامها إلى المباني الفقهية التي توصل اليها آية اللَّه الصانعي بنفسه طوال 25 عاماً متواصلة من التدريس والتحصيل والنمو الفكري والعقائدي، فكان ذلك بداية صراع جديد بين دعاة التجديد في الحوزة والعلماء والمجتهدين التقليديين، الامر الذي ينبئ بوضوح عن السجالات الفكرية وشيوع الافكار الفقهية المتضاربة في الحوزة العلمية المعاصرة في ايران.
وفي الحقيقة لابد من القول بان الاحكام الدينية الجديدة لآية اللَّه الصانعي تستوعب جميع الطبقات السياسية والاجتماعية والثقافية وعلى جميع المستويات والمشارب المذهبية وغيرها والحكومية وغيرها، ومن هنا إذا تنوع الحديث في مجلس ولم يتطرق فيه إلى شخصية دينية محدّدة ذكر آية اللَّه الصانعي كمنوذج للشخصية الدينية المجددة.
لقد اثارت احكام آية اللَّه الصانعي في مجال ولاية الفقيه، والموسيقى، والمرأة، وسن التقليد، ومرجع التقليد، والكفار، واحترام القانون و... جدلاً واسعاً في الاوساط الاجتماعية العامّة، فكما تقدم أن قلنا إن هذه الاحكام الدينية لها مساس مباشر بمطالب الناس، وانها في الحقيقة داعمة ومساندة لهم.
كما تعرض آية اللَّه الصانعي في احكامه الفقهية الجديدة إلى مسائل اجتماعية من قبيل: (غناء المرأة على انفراد) و(رقص الشباب على موسيقى الجاز الصاخبة) وهي شائعة بشكل واسع في بعض الحفلات الخاصة.
لقد كانت لآية اللَّه الصانعي في فتاواه نظرة جديدة ومنفتحة على واقع المجتمع الايراني: (ان صوت المرأة ليس حراماً في نفسه مع مراعاة العفة والستر وترك كلّ ما يتنافى معهما، كما ينبغي ان لا يكون محتوى الغناء باطلاً سواءٌ في ذلك الرجل والمرأة)، (لايمكن الافتاء بحرمة الرقص في حدّ نفسه إذا لم يستتبع
( سايت ?ويا 29/ 5 / 81)
حراماً آخر كالترويج إلى الباطل واشاعة الطاغوت واختلاط النساء بالرجال).{ المصدر المتقدم}
وبذلك سوف يشعر الناس بدنو المرجع منهم، وقربه من الاحداث والمشاكل الاجتماعية المعاصرة.
يمكن بحث الفتاوى لآية اللَّه الصانعي وبيان تأثيراتها على المجتمع في مجالين؛ الأوّل: المجال السياسي الاجتماعي، والثاني: المجال الخاص. وفي الأوّل يتمّ التأكيد على موضوعات من قبيل: احترام القوانين، وكيفية اقامة صلاة الجمعة، وكيفية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشرائط المرجعية الدينية. وفي الوقت الذي يحكم فيه مراجع التقليد في اكثر الموارد ب(القواعد الحكومية) في باب المسائل السياسية والاجتماعية يؤكّد الشيخ الصانعي على قدرة القانون وإعلاء القوانين المصادَق عليها في مجلس الشورى... ان اختيار طريقة تسريحة الشعر بالنسبة إلى الفتيان أو نوعية الثياب للفتيان والفتيات (من حيث اللون والزي دون الحدود الشرعية للحجاب) ونوعية الحجاب للفتيات (الجلباب والخمار والعباءة و..) بيد المكلف، ولا يعدّ من المحرمات الشرعية فهو من المباحات الجائزة، وحصرها بالشرع في حدّ نفسه غير جائز وافتراء على اللَّه مضافاً إلى ما فيه من تدخل في الحريات الشخصية للافراد. ويمكن تقنين هذه الموارد فيما إذا رأى الممثلون في المجلس ضرورة ذلك، فان مصالح المجتمع ومفاسده في نظام الجمهورية الاسلامية تابعة لرؤية الاعضاء المنتخبين في مجلس الشورى. وبذلك يكون آية اللَّه الصانعي قد صرّح بعدم وجود حكم في المجتمع الاسلامي فوق القانون المصادق عليه من قبل ممثلي الشعب: (لا يمكن للاحكام الاسلامية التدخل في المشاكل العالقة بين الاجير والمؤجر وحسم النزاع لصالح الاجير فان ذلك من اختصاص مجلس الشورى الاسلامي. كما لا يحق لأي شخص ان يستجوب الافراد الذين يسيرون في الطرقات كالفتى والفتاة والرجل والمرأة واجبارهما على ابراز وثيقة تُثبت انتسابهما لبعضهما، فان ذلك حرام وغير جائز ويعدّ نقضاً لحريات الآخرين إلّا فيما صادق عليه القانون من قبل ممثلي الشعب). كما ان هذا الموضوع من المباحث التي اكد عليها وأوصى بها الامام الخمينيقدس سره حيث أكّد كثيراً على دور المجلس وتأثيره العميق. وقد سار آية اللَّه الصانعي على نفس النهج. ولكن ما الذي دعاه إلى سلوك هذا النهج؟ وما هي الأحداث التي ألجأته - بوصفه مرجعاً دينياً ناظراً إلى سلوكية مقلديه الدينية - إلى هذا النوع من الأحكام؟ وما هي المسألة التي أدّت إلى تأكيده واصراره الصريح على رأي الجماهير ودور البرلمان في الجمهورية الاسلامية؟
لا شك ان الاحكام الشرعية تعد أداةً أولية بيد المرجع الديني يتمكن بواسطتها ان يحول دون استبدادية المجتمع وتزمّته: (ان المجتهد الجامع للشرائط منصوب للولاية على الناس، وتقع مشروعية التنفيذ في المصالح العامّة التي لا يوجد للاسلام حكم فيها على عاتق الجماهير ورأي غالبيتهم، وتنحصر المشروعية بآرائهم ورضاهم باجمعهم أو بغالبيتهم، وان الامر بتنفيذها يعود إلى الولي الفقيه بشكل مباشر أو غير مباشر).
ومن جملة وصاياه الأُخرى مراعاة الاخلاق الدينية في المجتمع، ويتأكد ذلك بالنسبة إلى سلوكية أئمة الجمعة: (ان صلاة الجمعة من الواجبات التخييرية. ولكن ينبغي الالتفات إلى ان الهدف من صلاة الجمعة خدمة الاسلام والمسلمين والدعوة إلى التقوى، فلو غدت صلاة الجمعة محلاً للغيبة والعياذ باللَّه، أو الاستفادة منها لضرب الافراد، أو دعم تيار مغاير لخط الاسلام وحاكمية الشعب والجمهورية الاسلامية، فعندها لا يجوز الحضور في تلك الصلاة، ولو لم نقل بحرمتها من باب دعم الظلم والاعانة على الاثم- وهي كذلك - فلا بد مع ذلك من اقامة الظهر فرادى وعدم الحضور في هذه الجمعة).
ان هذا المرجع البالغ من العمر خمساً وستين سنة - والذي تروق احكامه الجيل الشاب في المجتمع أكثر من آبائهم - يصر على قدم المساواة على اسس الشريعة الثلاثة، فقد عرّف المعتقدات والشعائر والمناسك الدينية وشطراً من الاخلاقيات الدينية في رسالة (توضيح المسائل)، ويمكن مشاهدة ذلك في احكام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكم المتعة، واقامة صلاة الجمعة، وشرائط المرجعية: (... ان الشرط هو العدالة، والاعلمية، والزهد في الدنيا، فلو اجتمعت هذه الشروط في مجتهد جاز تقليده وان كان مختلفاً مع المسؤولين في وجهات النظر، أو حتى إذا لم يكن موافقاً للنظام، فان رأي الفقيه بالنسبة إلى المسائل الفقهية والاحكام الالهية حجة عليه وعلى مقلديه، وأمّا بالنسبة إلى المسائل الأُخرى والنظريات الموضوعية المختلفة فلا يعدو أن يكون رأيه كسائر الآراء، فالفقيه كسائر المنظّرين).
وأمّا بشأن النسوة اللاتي يُظهرن شعورهن ولا ينتهين إذا نهين، فلا تجب في حقِّهن حتى النصيحة فضلاً عن سائر المراتب الأُخرى من النهي عن المنكر، وإنّما على ذوي النفوذ والسلطة منعهن إذا وجدوا ذلك مجدياً) أو (في الحقيقة ان الزواج المؤقت إنّما شرِّع في الاسلام بمقدار رفع الضرورة دون ان يتحول إلى تهتك مشروع أو عدلاً للزواج الدائم، وعليه إذا أمكن لشخص اشباع غريزته الجنسية مع زوجته كان العقد المؤقت عندي - وان كانت المعقودة مسلمة - محل اشكال بل منع).
تتجلى احكام المرجع الديني بشكل بارز في المجال الاجتماعي أو الشخصي، فقد ادت الاحكام التي اصدرها بشأن المرأة، ونظرته الجديدة إلى دورها في المجتمع الايراني إلى تبلور آرائه الجديدة، وربما امكن عدّ احكامه الشرعية نوعاً جديداً من الحماية الاسلامية للمرأة، ويمكن تقييم التأثير العميق الذي تتركه هذه النظرية الجديدة من خلال الالتفات إلى ان المجتمع العالمي المعاصر يُشكك في نظرة الفقه الاسلامي إلى المرأة ويراها مجحفة وظالمة. ومن هنا فقد عقد آية اللَّه الصانعي العزم على الاهتمام بمسألة المرأة في الاسلام. وان رأيه في بلوغ الفتاة، وكفاءة المرجعية، والولاية، والقضاء بالنسبة إلى المرأة المسلمة، وبقية الاحكام الشرعية تحكي عن رؤيته المستنيرة بالنسبة إلى المرأة في المجتمع الاسلامي. فبالنسبة إلى بلوغ الفتاة قد رجّح موثقة عمّار الساباطي التي ترى بلوغ الفتاة في اكمالها ثلاثة عشرة سنة قمرية فيما إذا لم تحرز سائر علامات البلوغ الأُخرى التي تعرضت لها النصوص والفتاوى. ويقول آية اللَّه الصانعي بشأن اختلاف دية المرأة عن الرجل: (ان دية المرأة مساوية لدية الرجل في الخطأ وشبه العمد) وهذا الحكم مستفاد من اطلاق ادلة الدية.
واليك نماذج من احكامه الأُخرى: (لا مانع من تطويل المرأة أظفارها، بل قد ورد ذلك في الروايات بوصفه زينة).
(لا بأس باداء المرأة دور الرجل، أو الرجل دور المرأة في الافلام إذا كان الغرض من ذلك عقلائياً ومنسجماً مع الضوابط الشرعية). (إذا قتل الابُ ابنَه لم يجز للام ان تقتص منه، وكذا العكس، لعدم اختلافهما في عدم ثبوت الحق لهما من رأس، إذ لا فرق بين الاب والام).
(لاينحصر طلب العلم والاجتهاد بالرجل فقط، لان جميع الناس مأمورون بطلب العلم. وعليه يمكن للمرأة ان تتصدى لجميع مراتب القضاء والمرجعية والولاية والقيادة).
نجرأ على القول بأننا لم نشاهد في فتاوى علماء الشيعة ما يشير إلى منزلة ومقام المرأة قبل صدور هذه الفتاوى التي توصل اليها مرجع الشباب المعاصر، برغم جميع المشاكل والصعاب والعقبات التي تعترض الطريق الشاقّ للفقه الاسلامي. كما تحضى الآراء الأُخرى لآية اللَّه الصانعي في خصوص الكفار والموسيقى بدرجة عالية من الرؤية الواضحة العالمة: (ان حرمة الموسيقى والغناء حرمة في المحتوى، فكل صوت وغناء وموسيقى إذا لم يكن مصحوباً باشاعة الفحشاء وعدم العفة وحرف الناس، وتشويه الاسلام فهو جائز). وبالنسبة إلى الكفار: (الاظهر طهارتهم كطهارة المسلمين. نعم الحربي منهم الذي يحارب المسلمين لاسلامهم - لا لسبب آخر - فهو معاند يحكم بنجاسته، كفلول الكفار الذين يوقنون بحقانية الاسلام، وبرغم ذلك يصرّون على عنادهم وغيِّهم).
نهاية التقرير
حينما تتعرض بالحديث إلى أكبر مرجع ومصدر ديني فعليك ان تتدبر في جميع أقوالك وان تتوخى الحذر في اختيار الكلمات حتى لا يقال بأنك تعرضت إلى الناحية الدينية والمرجع الاسلامي بسوء.
يستقبل آية اللَّه الصانعي عادةً عدداً كبيراً من الضيوف الذين ينتمون إلى طبقات علمية وسياسية مختلفة. كما انه من المراجع القلائل الذين يفد عليهم ضيوف أجانب على مستوى رفيع حيث يستقبلهم في داره وفقاً للضوابط الاسلامية. يقوم اسلوب آية اللَّه الصانعي على احترام بالغ لاولئك الذين قد تصفهم الافكار والآراء الشخصية الأُخرى بالكفر والنجاسة. ان حسن الضيافة التي يقوم بها آية اللَّه الصانعي تعدّ قمة في التقابل بين الثقافة الايرانية والتربية الاسلامية.
وهو يفتتح كافة لقاءاته الرسمية مع الاجانب بمزحة يلقيها على طريقته المحلية الخاصّة. كانت خطب آية اللَّه الصانعي وبياناته المختلفة ولا تزال منسجمة ومؤيدة لتيار الاصلاح في ايران. وفي الحقيقة يمكن القول بان وجود مثل هذا المرجع في أعلى درجات الدين الرسمي في ايران اعطى نوعاً من الثقل والزخم الخاص لتيار الاصلاح وغالبية الشعب الايراني الذي يبذل حالياً قصارى جهوده في بحث الابعاد المثيرة للجدل في الفقه الاسلامي في عالمنا المعاصر، والتي تحولت في خصوص مسألة الكفار والمرأة والحريات الاجتماعية إلى أهم ذريعة بيد العلمانيين.
ولكن هل أمكن للأحكام الجديدة التي صدع بها آية اللَّه الصانعي ان تغيّر من نظرة المفكرين من المتدينين وغيرهم؟ حول حاكمية الفقه الاسلامي؟ التاريخ : 2004/08/31 تصفّح: 15326