موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: ما هو السبب الذي دعاكم الى التعرض لبحث المساواة بين المرأة والرجل في الدية؟
سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي (دام ظله العالي) لقاء فقهي خاصما هو السبب الذي دعاكم الى التعرض لبحث المساواة بين المرأة والرجل في الدية؟
سماحة آية الله العظمى الصانعي، ما هو السبب الذي دعاكم الى التعرض لبحث المساواة بين المرأة والرجل في الدية؟
ان باب الاجتهاد مفتوح عند الشيعة، الامر الذي أدّى ـ على حدّ تعبير امام الامة ـ الى اغناء الحضارة الاسلامية. تسعى البشرية الى معرفة رأي الاسلام بشأن حقوقها تعرض فقهاء الشيعة قديماً الى مسائل محدودة، وكانوا عند ما يواجهون مسألة، يكتفون باستعراض نص الرواية المروية عن الامام المعصوم(عليه السلام). حيث لم تكن الموارد الابتلائية ذات فروع وتشعبّات كثيرة. الا ان الائمة(عليهم السلام) قد تنبّأوا بأنّ البشرية آخذة نحو التقدم، فدعوا الي إبقاء باب الاجتهاد مفتوحاً، ووضعوا لذلك قواعد وضوابط تمكن الحوزات العلمية والفقهية لدى الشيعة من الاستجابة لمتطلبات العصر. اما سؤالكم هذا فيعود الى السؤال بشأن اكثر من عشرة آلاف مسألة لم تكن موجودة في تاريخ الفقه الشيعي، ثمّ وجدت وبعبارة أوضح ان امام الامة ـ كما ترون ـ قد تعرّض عام 42 هـ ش الى المسائل المستحدثة حول السفر الى القمر، ووزن ماء الكر فيه، والصلاة والصوم بالنسبة الى من يسافر اليه، ومسألة التأمين وبيع الصكوك، وسائر الموارد الابتلائية في عالمنا المعاصر، والتي لم يكن لها وجود في غابر الازمنة.
وعليه نقول في جواب سؤالكم: ان متابعة المسائل وبحثها حقّ طبيعي للحوزات العلمية والفقه والفقاهة، ولا تنحصر المسألة بمساواة دية المرأة والرجل، فقد بحثت عشرات المسائل الاخرى في السنوات الماضية، وقد تعرّضت قبل حوالي ثلاثين سنة ونيف الى مسألة (قضاء المرأة)، في بحث خارج الفقه المنعقد في الصحن الشريف للسيدة المعصومة(عليها السلام)، وتوصّلت آنذاك الى امكان تصدّي المرأة لمنصب القضاء، وحتى يومنا هذا أرى حرية المرأة في العمل والمهنة التي تختارها لنفسها، فليس هناك أي محذور شرعي في ذلك.
بينما نجد الفقه الشيعي ساكتاً عن بعض الموارد التي تعرّضتم لها، نجد روايات معتبرة تنصّ على عدم مساواة المرأة والرجل في الدية، خلافاً لما ذهبتم اليه من المساواة في ذلك، فما هو رأيكم بشأن هذه الروايات؟
ان كلامكم هذا يعود الى منع الآخرين في حقّ ابداء الرأي، فيما اذا افتى عدد من الفقهاء او جميعهم استناداً الى رواية، وهذا عبارة اخرى عن سدّ باب الاجتهاد، ونحن وان كنا لا ننكر وجود الروايات وفتاوى الفقهاء على طبقها، الا اننا نؤمن في الوقت نفسه ببقاء باب الاجتهاد مفتوحاً، بمعنى تمكّن فقيه آخر من البحث واستعمال الاساليب الفقهية نفسها والوصول الى نتائج مغايرة.
واذكر لذلك مثالاً يتعلق بفتوى السيد الامام حول ملكية المصادر، حيث بحثها الفقهاء، وافتوا بان الشخص اذا امتلك ارضاً وكان فيها نفطٌ او صلبٌ او نحاسٌ، كان مالكاً له، وبرغم ذلك افتى الامام بملكية الحكومة والدولة لهذه المصادر، ورجوعها الى بيت مال المسلمين، هذا مع ان الفقهاء قد بحثوا هذه المسألة بشكل تفصيلي.
هناك كثير من المسائل الفقهية التي افتى فيها بعض، وذهب البعض الآخر الى خلافها، حتى مع وجود روايات فيها، سوى انه لابد من عدم خروج البحث عن دائرة الاساليب الفقهية.
كيف أجبتم عن تلك الفتاوى والروايات؟
هذا ما لا يسعه حوار او بحث غير علمي، بل لابد من تحقيقه وبحثه في الحوزات والجامعات العلمية.. وبالنسبة لي فقد حقّقت في هذه الجامعات العلمية، وسيتم ـ ان شاء الله ـ طبع كتاب (القصاص) وهو حصيلة دروس الخارج التي القيتها في مدرسة الفيضية، ولي حججي وادلتي التي يمكن لمن يقلدني ان يعتذر بها، والتي قد لا تروق الآخرين.
هناك في الحقيقة نوعان من الدية: «الدية الحقوقية» و«الدية الجزائية»، والدية الجزائية تخص الموارد التي تكون العقوبة فيها هي القصاص، ولابد فيها من اعطاء الدية، والآن نترك بحث الدية الجزائية، واما بحث الدية الحقوقية فيخصّ الموارد التي يقتل فيها الرجل او المرأة، امرأة في حادثة، وقد أشرت هنا الى بحث المقدس الاردبيلي حيث قال: «وما اطلعت عليه من نصّ».([1]) فما ذكرتموه من الروايات انما وردت في باب القصاص، دون الدّية الحقوقية، اذ لا توجد في الدية الحقوقية ولا رواية واحدة تقول بان دية المرأة نصف دية الرجل، سوى ان الفقهاء قاموا بتسرية روايات باب القصاص الى الدية الحقوقية، وكان ذلك اجتهاداً منهم.
لو راجعتم كتاب (وسائل الشيعة)([2]) وهو في الجوامع الحديثية الثلاثة التي منها (بحار الانوار) و(الوافي)، لوجدتم انه لم يدرج تحت الباب الذي عنونه بـ (دية المرأة نصف دية الرجل) سوى اربع روايات، اثنتان منهما اجنبيتان عن عنوان الباب، اذ تخصّان قتل العمد، والدية الجزائية، وهما الحديثان الثاني والرابع. كما ان الرواية الاولى تشمل الدية الحقوقية باطلاقها دون لفظها، وان كان ذيلها يتحدّث عن الدية الجزائية، هذا مضافاً الى ان الاطلاق ينبغي ان يدرس في ضوء القدر المتيقن في مقام التخاطب، الا ان الرواية مناقش في سندها، وعليها ثلاثة اشكالات بيّنتها في محلها في قتل الخطأ من كتاب (القصاص) فلا يمكن الاعتماد عليها. فلم يبق سوى رواية واحدة وهي الرواية الثالثة، ولكن ذيلها أيضاً مخالف لسائر الروايات ولم يعمل به، كما انه بنحو يضرّ بصدر الرواية، مضافاً الى امكان الخدشة في ظهور الرواية في الخطأ المحض، وقد تمّ بيان ذلك في محلّه، وبهذا التوضيح الاجمالي بشأن الروايات الواردة في كتاب (وسائل الشيعة) ندرك عظيم البركة التي نالها المقدس الاردبيلي(قدس سره) من جواره لحرم أمير المؤمنين(عليه السلام) وباب علم الرسول في النجف الاشرف، والالطاف التي حباه بها أبو الأئمة(عليه السلام).
نرجو منكم بيان الدية الجزائية والحقوقية بشكل أوضح.
المعروف بين الفقهاء ان الرجل اذا قتل امرأة، واراد اولياؤها قصاصه بها، وجب عليهم دفع نصف ديته، وهو ما يسمى بـ«الدية الجزائية».
او في مورد قطع الاعضاء، حيث تتساوى دية المرأة والرجل حتّى يبلغ مقدار الاعضاء المقطوعة الثلث، حيث تتحول دية المرأة الى نصف دية الرجل، وروايات هذا الموضوع في الدية الجزائية ايضاً، والمورد الآخر في قصاص الاعضاء، فلو اريد قصاص الرجل الذي قطع عضواً من اعضاء المرأة، وجب دفع مقدار من ديته.
إذن هناك دية حقوقية بمعنى الضمان وجبر النقص دون عقوبة، فالذي يقتل شخصاً في حادثة عن غير عمد، لا يمكن عدّه قاتلا، فلا عقوبة على القتل في حدّ نفسه اذا لم يكن عن عمد وجناية.
وقد ادرجنا التعزيرات في القوانين الجزائية، فلو كان الشخص مفتقراً الى اجازة السياقة، عدّ منتهكاً للقانون، ولابد من معاقبته، ولكن بما ان القتل قد صدر عن غير عمد، فلا يمكن عدّ ذنبه قتلا، كما ان الدية ليست عقوبة، وانما هي غرامة، وكما تقدم ان قلنا، ليست هناك رواية معتبرة في هذا المورد (الدية الحقوقية).
إذن ما هو مستند الفقهاء في جعلهم دية المرأة نصف دية الرجل؟
ذكرت انهم تعدّوا من روايات الديّة الجزائية وقاموا بتسريتها الى الدية الحقوقية، وكان لهم حقّهم في هذا الفهم، وهم معذورون ومأجورون على كل حال، ولكن هذا لا يحتّم علينا ان نتّبعهم في فهمهم، فأنا شخصياً لا اقبل هذا الفهم، كما ان المقدس الاردبيلى قد اشار الى عدم عثوره على رواية واحدة في دية جبر النقص، كما انني في السنوات الماضية تعجبت للوهلة الاولى من كلام المقدس الاردبيلي هذا، مع ما نراه من الروايات الكثيرة في هذا الخصوص، حيث كنت اقصر النظر ـ مثل غيري ـ على الروايات المتعلقة بالدية الجزائية، في حين ينظر المقدس الاردبيلي الى الدية الحقوقية، ولا يرتضي تسرية روايات الدية الجزائية الى الدية الحقوقية.
ولا يسعني حالياً الاشارة الى الخصوصية التي اجبت فيها عن الدية الجزائية وانها ليست حجة في موردها، فضلا عن تسريتها في قتل العمد الى غيره، ولكن مجمل القول، انني ارى مخالفة روايات الدية الجزائية للقرآن الكريم، فتسقط عن الحجية; للروايات الواردة في بيان الضابط عن المعصومين(عليهم السلام) في عدم اعتبار ما يخالف القرآن والاسس والقواعد المسلّمة، وما يخالف العقل والفطرة والبديهة، وعلينا ارجاعها الى أهلها.
ارى ان ما تقوله الروايات ـ من ان الرجل اذا قتل زوجته، وأراد اولياؤها قتله فعليهم اعطاؤه نصف الدية، وبعكسه اذا قتلت المرأة رجلا، جرى في حقّها القصاص دون ان تعطى شيئاً ـ ظلماً، واراها مخالفة للآيات التي تثبت ان قوانين الاسلام هي قوانين العدل، وانه لا يوجد ظلم في القوانين الاسلامية، وهذا ما افهمه من قوله تعالى: «يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل»([3]) وهي من اسمى الآيات القرآنية في اثبات المساواة بين الناس في حقوقهم. ولست ارى ذلك التميز والاختلاف عدلا، بل اراه ظلماً، وانا معذور في ذلك، ولا يمكن للروايات برغم كثرتها ان تغير من الواقع شيئاً، كمئات الروايات الواردة في تحريف الكتاب او سهو النبي(صلى الله عليه وآله) في حين يذهب جميع فقهائنا تقريباً سوى فقيه واحد أو فقيهين، الى مخالفة هذه الروايات للعقل والكتاب وقاموا بردّها، كما ان هناك موارد اخرى لا ارى ضرورة الى توضيحها.
اذن تقوم الضابطة على عدم اعتبار الرواية المخالفة للقرآن الكريم، وقد قمت بعرض هذه الروايات على الآيات التي تقول: ان قوانين الاسلام هي قوانين العدل ـ والعدل من اصول الدين المتسالم عليها، وليس من فروعه ـ فوجدتها لا تنسجم معها، كما ان عامة الناس والعرف يراها ظلماً، سوى انه قد يقول شخص: مادام ان هذا هو حكم الله فانا اذعن له، ولكن ينبغي استخراج حكم الله من الروايات، في عالم يلتفت الفقيه الى هذه الحقيقة، فربما لم يلتفت الفقيه الى هذه الحقيقة فلم يفت على ضوئها، ويكون معذوراً في ذلك، وفي الماضي لم يرد هذا الاشكال بكون هذا الامر ظلماً; اذ لم تكن المرأة لتقتل، ولم تقع الحوادث، ولكن حينما تحدث هذه الامور نجد جميع الناس يرون ذلك ظلماً.
وحتى المتعبّد يقول: «ان الامر كذلك، ولكن ربّما قصر علمنا عن علم الله» وهو معذور في ذلك، ولكن يرد هنا بحث آخر، وهو ان العدل الذي نعرفه عن الاسلام، وحكومة العقل التي نراها في الاسلام، تحتّم علينا ان نخضع الروايات ـ بحسب فهمنا وادراكنا ـ إلى مدى انطباقها وانسجامها مع الآيات القرآنية والعدل، لا ان نحكّم الاسلام على العدل، فان العدل اساس الاسلام.
والخلاصة ان التعبد يرتبط بمرحلة الجعل والثبوت، ولا يرتبط بمرحلة الاثبات وما يفهم من الادلة، بل المعتبر فيه ما يفهم من لغة الناس والفهم العرفي: «وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه»([4]).
اذن توجد روايات كثيرة في الدية الجزائية، وقد نقلها المحدثون الكبار، وقد افتى الفقهاء الماضين على طبقها، الا انني اراها مخالفة للقرآن، ولا استطيع العمل بها في ضوء الاساليب الفقهية. هذه هي الشبهة الاولى، وقد ترد اشكالات في البين، وقد اجبت عنها.
المسألة الثانية، وجود المعارض في ضمن تلك الروايات، فهناك رواية تقول: يمكن قتلها، ولكن على اوليائها دفع نصف دية الرجل المقتول، ليحصل القصاص بالمثل; اذ ان المرأة تعد نصف الرجل، فان قتلت به يكون قد استوفى نصف حقّه، ويبقى نصف الآخر، فينجبر بدفع الدية من قبل أوليائها، وهي وان كانت رواية واحدة، ولكنها كافية في المعارضة.
وقد علّق شيخ الطائفة على هذه الرواية قائلا: «هي على خلاف النفس بالنفس»، كما انني أراها كذلك، فهي مخالفة للعدل، ومخالفة ايضاً لقوله تعالى: «النفس بالنفس»([5]). فانتم تقولون: «لو قتل الرجل امرأة واراد اولياؤها قتله وجب عليهم دفع نصف ديته»، فهذا على خلاف القرآن الكريم.
هذه بحوث فقهية، بحثتها في كتاب (القصاص) وهو شرح على (تحرير الوسيلة) ـ بشكل تفصيلي، وسيتم طبعه ان شاء الله تعالى.
فلنستعرض البحث بتبسيط اكثر، حتى مع وجوب النفقة على الرجل، وعدم وجوبها على المرأة...
لا يمكن لهذه المسألة ان تؤسس العدل; لانها لا تصدق الا في حقّ الرجل الذي يقوم بالنفقة، في حين ان القانون يتعامل مع الرجل والمرأة، دون من تجب عليه النفقة وغيره، فالمرأة اذا قامت بالنفقة صارت مشمولة لكلامكم، في حين ان القانون يشمل الذكر والانثى، حتى قيل: اذا اتضح كون الجنين ذكراً او انثى كانت دية الانثى نصف دية الذكر، هذا مع عدم وجود النفقة في البين. فما هو شأن الرجل اذا شاخ وتقاعد، ولم يصدق عليه الانفاق؟ اذا كان هذا هو العدل، فاولا: لا يكون شاملا لجميع موارد القانون، وانما يقتصر على بعضها. وثانياً: اذا ذهبتم الى وجوب دفع دية الرجل لكونه منفقاً، وجب عليكم الذهاب الى الحكم نفسه بشأن المرأة اذا كانت منفقة.
ان تعليل هذا الحكم بكون الرجل واجب النفقة دون المرأة، لم يرد في اي واحدة من الروايات، وانما ذكره السيد الشهيد البهشتي(قدس سره) لاول مرة في واحدة من خطبه حول قوانين الدية، حيث كان مضطراً الى الاجابة، فقال: «ذهبنا الى تأسيس هذا القانون لوجوب النفقة على الرجل»، الا اننا نقول: المهم عندنا هو العدل، فنؤسس القانون على اساس كون الرجل هو المنفق او المرأة، وما اذا لم يكن احدهما منفقاً، فلابد من التقنين بهذا الشكل، في حين لم يذهب اي فقيه الى ذلك.
ولكن ربما امكن القول بالنسبة الى الطفل...
... انتم الذي يمكنه ان يقول، او قانون الاسلام، فهنا بحثان.
بحثنا هو العدل...
تقولون: من العدل ان نقول: الرجل واجب النفقة في الاسلام دون المرأة، فلابد عليكم من تخصيص ذلك.
اقول لكم: اساساً لا يمكن ربط باب الدية بباب النفقة; لانهما بحثان مستقلاّن، فالدية تدفع بازاء ازهاق النفس، فلو كان الشخص فاقداً لجميع اعظائه ولم يبق منه الا عرقه النابض كانت ديته مساوية لدية الشخص السليم; لان الدية لا تقوم على اساس وجوب النفقة، والا لوجب الحكم بعدم الدية للطفل والشيخ والشيخة والعاطلين عن العمل، لعدم انفاقهم. اذن بحث الدية لا يقوم على اساس النفقة حتى نقيس العدل عليه، فقد كانت الدية موجودة قبل الاسلام، فقد ورد في الرواية([6]) ان عبد المطلب قد جعل دية الانسان بمئة جمل، ثم صار ذلك سنّة.
ويقال: ان الدية مأخوذة من مادة المنع والعقل، و انهاـ شرعت للحيلولة دون تفشّي القتل وجبر النقص، ان الاصل في القصاص هو المقابلة بالمثل، ومن الخطأ ان يقال: ان الاسلام قد امر بازهاق النفوس، فالاسلام انما شرّع القتل كمقابلة بالمثل، هذا مضافاً الى انه يمكن لاولياء الدم ان يعفوا عن القاتل.
نرجع ونقول: في موضع يحدث قتل، فيحكم بالقتل ودفع الدية، وفي موضع آخر يحكم بالقتل ولا تدفع الدية، هذا خلاف النفس بالنفس والعدل وخلاف آيات نفي الظلم.
هل كان تعرضّكم لهذه المسألة بحكم اشتغالكم في منصب مدعي العموم؟
كلا، لا ربط لهذه المسألة بذلك ابداً، فقد قامت الحوزات العلمية منذ القدم على استعراض الاشكالات والاجابة عنها سواءً في علم الكلام او الفقه، ومن هنا استمدت الحوزات العلمية قوتها.
فكيف يكون وضع نسبة الجفاء والظلم والعدل التي تذكرونها في قبال الروايات التي يحتج بها المنهج الفقهي القديم؟
هذا ايضاً سنة، بل هو عين السنة.
الا انه مخالف للعدل...
بل هذا ما قاله الأئمة(عليهم السلام) لنا، لا انه مخالف للسنة.
هناك اجماع في الحوزة، قائم على امكان تخصيص الآيات وتقييدها بالسنة التي ثبتت حجيتها شرعاً.
بل قامت الحوزات على ترك الروايات المخالفة للقرآن.
ولكن حينما يخصّصونها بالروايات...
بذلك تدخلون في بحث تخصصي، وجواب ذلك: ان لسان بعض العمومات يأبى التخصيص، كما لو ذكرت مصحوبةً بالقسم، او كانت نبرتها شديدة، فنبرة قوله تعالى: «ولكم في القصاص حياة يا اولي الاباب»([7]) مثلا، لا تقبل التخصيص، فهذا ليس من الاصول القابلة للتقييد. كما قال تعالى «النفس بالنفس»([8])، وقد تمّ الالتفات الى جميع هذه المسائل.
1 ـ الروايات المخالفة للكتاب ليست حجة.
2 ـ ارى مخالفة هذه الروايات للنفس بالنفس، ومخالفة لنفي الظلم.
3 ـ لسان هذا النوع من الآيات يأبى التخصيص.
4 ـ الآيات القرآنية معروفة ويمكن تخصيصها بالرواية، وانا اقبل ذلك الى حدٍّ ما، الا ان البحث هنا ان هذه الآيات آبية عن التخصيص، ونحن الطلبة نقول: «حفظت شيئاً وغابت عنك اشياء»، كونوا على يقين من اننا قد بحثنا هذه المسائل بشكل تخصصى، وجوابكم يكمن في كلمة واحدة مفادها ان هذه الآيات آبية عن التخصيص.
اذن طبقاً لهذا المبنى الذي اشرتم له تكون هذه الموارد مشمولة لكثير من المسائل.
ليس لدينا ولا مورد واحد، ولو كان لأوضحته، وقد ذكروا ان هناك احكام مخالفة للعدل، ومشابهة لمسألة قصاص الرجل بالمرأة، الا انهم اخطأوا، فليس لدنيا حكم على خلاف العدل.
عفواً، قصدت ان هناك ما يشابه هذا المورد...
أين؟
مثلا في مورد شهادة المرأة...
هذا ما ابحثه ايضاً، شهادة المرأة في باب الطلاق، وفي مورد او موردين، لا تكون فيها شهادتها حجة، وقد تحدثنا سابقاً حول شهادة المرأة في كتاب الشهادات من بحث الخارج قرابة عشرة ايام، وقد ذهبنا فيها الى ان شهادة المرأة العادلة بحسب الاصل كشهادة الرجل العادل، وقد اسسنا الاصل على ذلك، على الخصوص في ما يتعلق بشؤون النساء حيث تقدم شهادة المرأة على شهادة الرجل، وما ورد في القرآن يخصّ مورداً جاء التعليل في ذيله، «والعلة تخصص كما انها تعمّم».
وقد خصصنا هذه الآية في موردها، وقد افتينا في غير ذلك المورد طبقاً للروايات، وذهبنا الى المساواة بين شهادة المرأة والرجل، واما في باب الحدود حيث يقوم الاصل على غض الطرف، فقد ذهبنا الى عدم قبول شهادة النساء مهما بلغ عدد هن فما ظنك ببلوغه اربعة او ستة باضافة رجل، فبحث الحدود موضوع آخر، ففي باب الحدود والاعراض لو شهد ثلاثة ولم يشهد الرابع، ضرب كل واحد من الشهود ثمانين جلدة، وفي هذا الجلد مصلحة، ولا يعد خروجاً عن العدل، فماذا نصنع وقد ادخلنا الاسلام في زوبعة لا يمكن الخروج منها، فالاسلام جعل الشهادة بشكل، لا يقدم عليها اي شخص الا بحذر واحتراس.
كما اننا لم نقبل قيام شهادة اربع نساء مقام شهادة رجلين في باب الحدود. لورودها في مورد حفظ الحرمات ومسائل العفّة المضيقة جداً، وهو ما يستفاد من الروايات والفتاوى، كما انه لا يكتفى هناك بشهادة رجلين، بل لابد من اربعة رجال، ولم نقبل شهادة النساء ابداً، لما تقدم من قيام باب الحدود على اساس درئها وتخفيفها، والغض عنها وعدم ثبوتها. ولكن ذهبنا في سائر الموارد الاخرى الى المساواة بين الرجل والمرأة في الشهادة.
كما بحثنا باب الطلاق في صيف هذا العام، وتوصلنا الى ان الطلاق بيد المرأة، ولكن لو كرهت المرأة العيش مع الرجل، وجب على الرجل الخلع عند بذل جميع المهر.
ولم ار في الاسلام حكماً واحداً على خلاف العدل ولا يوجد تمييز، نعم هناك اختلاف، وهو ايضاً عين العدل، ولا نستطيع او ينبغي انكاره، وفي الارث لابد الا من العمل بالنص القرانى و الوحى الالهى و الضرورة الدينى الاسلامى الذى يعد منكره منكرا للضرورة و لابد من الذعان له، وهو ايضا عين العدل كما حققه العلامة الطباطبائى (قدس سره) في تفسير الميزان و قررناه فى كتاب القصاص فارث الذكرضعف ارث الانثى و هو العدل بعينه و تقرير العدل على الاجمال: اذ لو لم يكن سهم الانثى فيه اكثر من سهم الذكر فهو مساو له، فمن الناحية النظرية يأخذ الذكر دينارين والانثى ديناراً واحداً، ولكن من الناحية العملية يأخذ كل واحداً منهما ديناراً و نصف دينار، وقد جاء ذلك في تفسير العلامة الطباطبائي.
نرجو بحث الارث بشكل اوضح.
اعتقد بما ينصّ عليه القرآن وتقتضيه ضرورة الفقه الاسلامي،ولا مندوحة في ذلك سوى الاعتقاد، وهو ما يقوله العقل والعدل من ان الذكر يرث ضعف ما ترثه الانثى، وهو عين العدل والعقل، ومن الاحكام السامية في الاسلام.
كيف؟
اساس الكلام يعود الى ما قاله العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان في ذيل قوله تعالى: «فللذّكر مثل حظّ الانثيين»([9]). وتقريري له من خلال الترجمة الحرة بان تفرضوا ثروات الدنيا بثلاثة دولارات، وان سكان الارض عبارة عن امرأة ورجل، فنعطي الرجل دولارين، والمرأة دولاراً واحداً، فيكون الذكر من الناحية، النظرية مالكاً لضعف ما تملكه الانثى ولكن يتعين على الرجل ان يتزوج ويدفع المهر.
فلو رفض الرجل والمرأة في ذروة اندفاعهما وحماسهما عقد الزواج مع دفع المهر، فان الاسلام يرى بطلان هذا النوع من الزواج، فلابد من دفع المهر، نعم يجوز تحديده بعد ذلك، اذ لا مانع من الغرر في باب المهر من النكاح، الا ان الفقه الشيعي يرى بطلان العقد بشرط عدم المهر.
وعليه يقوم الرجل بدفع مقدار من الاموال للمرأة، ولا ارتضى عدم تجاوز المهر عن مهر السنة او كونه مستحباً، فالمهر كما تقول الروايات بيد المرأة والرجل، فاذا ارتفع شأن المرأة في المجتمع، وعرضت للرجل حاجة ملحّة، وحيل دون وقوع الفساد، وجب عليه دفع مقدار من الدولار ونصف الدولار كمهر للمرأة، وقد ارتفعت المهور حالياً ـ ولله الحمد ـ وتمكنت النسوة بفضل جهود الامام«سلام الله عليه» من دخول الجامعات وارتفع شأنهن، ولكن يشكل حالياً بأنّ الزّواج قد تعرّض لازمة، وجوابه: ان ازمة الزواج ناجمة عن اسباب اخرى.
فعلى الرجل ان ينفق على والديه وابنائه، ويدفع مقداراً من ذينك الدولارين، بينما تستثمر المرأة دولارها في المضاربات التجارية دون ان يشاركها الرجل في ارباحها، بينما يستثمر الرجل الدولار المتبقي له وينفق ارباحه التي تشاركه المرأة في نصفها على الاقل.
هل ترون وجوب النفقه على الرجل حتى في المورد الذي تعمل فيه المرأة مع الرجل خارج الدار.
اجل ان وجوب النفقة على الزوج، تكليف شرعي وحقّ عليه، ولا ربط له بعمل المرأة وعدمه، فان الربح روح الملكية والمرأة تشارك زوجها فيه، وعليه اما ان تتساوى ملكيتهما او ان تكون ملكية المرأة اكثر من ملكية الرجل وهذا عين العدل، وانا ادعو الى مساواة حقوق المرأة والرجل في المجتمع المعاصر، وهذا ما لا يتحمله بعض، الا ان الاسلام يقول بالمساواة، وقد دفع للمرأة نصف المال بل اكثر من النصف اذ يتعين على الرجل ان يعمل ويدفع الضمانات ويدخل السجون.
اذن كما يقول العلامة الطباطبائي، قد تمّ الحفاظ على المساواة هنا، بل في الحقيقة لابد للرجال ان يعترضوا على قانون الارث ويطالبوا بسهم اوفر، لأنّه وان كان من الناحية النظرية ضعف حصة المرأة الا انه في الحقيقة والواقع مساو لها.
وعليه لا ارى حكماً جائراً في الاسلام، ولا ارى تمييزاً وتفاوتاً عرقياً او جغرافياً او مذهبياً او وطنياً في الحقوق الاجتماعية، فانني ارى ان المسلم اذا قتل غير المسلم وجب قود المسلم به; لكونه محترماً، بقطع النظر عن المذهب، لان النفس بالنفس، وطبعاً توجد في هذا المورد رواية والافتاء على طبقها لا يواجه التعقيد الموجود في بحث الدية. فالقصاص يعني الأخذ بالمثل وهو عين حقوق البشر، فنحن لا نقول بالاعدام، وانما نقول: خذوه بمثل ما فعل، ويمكن العفو. ارفعوا المستوى الثقافي في المجتمع حتى ينعدم القتل، ثم قولوا لولي الدم: اعف ونعطيك ما تريد من الاموال... هل في ذلك ما يخالف حقوق البشر؟ ان القصاص من اروع الاحكام الاسلامية، والارث من اسمى الاحكام، ولا ارى في ضوء الاساليب الفقهية، وفقه صاحب الجواهر والشيخ الانصاري وفقه امام الامة اي تمييز وتفاوت اصلا.
حينما تحدث الامام عني قائلا: «كنت انبهر لمعلوماته» لا يمكن بعدها لشخص ان ينسب لي الجهل، نعم يمكنه ان يلصق بي تهماً اخرى، غير هذه التهمة، ولا اقول هذا الكلام من باب العجب، وانما اقوله خدمة للاسلام.
قال الامام: «قد توليت رعاية الصانعي كواحد من ابنائي، وحينما كان يحضر بحوثنا لسنوات طويلة، كان يختصّ بي ويحدثني، وكنت انبهر من سعة معلوماته، فهو عالم بارز بين العلماء»([10]). فهذا الكلام الصادر من خبير قوي كالامام لا يمكن حتى لنواة الذرّه ان تكسره.
ذكرتم ان عدم قصاص الاب لقتله ولده من الاحكام الراقية في الاسلام.
تشاهدون ان العالم المعاصر يخالف القتل، وانا اجيب على اساس هذا المنطق، فقد حكم الاسلام بعدم قصاص الوالد بولده، ولا يمكن الذهاب الى خلاف هذا الحكم أبداً.
فكيف تمّ تخصيص (ولكم في القصاص حياة)؟
كلا، ان هذه المسألة لا تندرج تحت هذا المورد، فذلك المورد يتعلق بالنزاعات والخصومات الشخصية، دون المورد الذي يكون فيه الاب قاتلا، فبرغم ما للاب من عاطفة تجاه ولده يبادر الى قتله، فالآية القائلة: (ولكم في القصاص حياة) منصرفة عن هذا النوع من القتل، لا انها تخصص، ولكن يعزّر تعزيراً شديداً الى الحدّ الذي يحول دون ارتكاب الا باء القتل، كما انني اذهب الى التساوي هنا ايضاً، فالام لا تقتل بولدها ايضاً; لان عاطفتها تجاه ولدها بمقدار اشدّ، كما انني ارى انتقال القيمومة القهرية بعد موت الاب للام، دون الجد، فالجد يأتي في المرحلة التالية، فليات المقنون ليتعلموا كيف حدّ الاسلام بهذا القانون من الاعدامات، والجواب الآخر ان آية القصاص منصرفة عن هذا المورد، وربما بذلت حوالي مئة ساعة في مطالعة بحث القصاص، وقد بذلت من الوقت في ذلك قرابة شهرين.
اذن تذهبون الى مساواة المرأة للرجل في جميع الحقوق، باستثناء الارث حيث يختلف شكل المساواة.
نعم في الحقوق الاجتماعية كالطلاق مثلا، فانه بيد الرجل، حيث يمكنه الطلاق بدفع المهر متى شاء، اما المرأة فلو كرهت الرجل امكنها ايضاً التنازل عن مهرها واللجوء الى الطلاق الخلعي، وقد افتى فقهاؤنا وجمع آخر كشيخ الطائفة بوجوب الخلع على الرجل، وقد ارتضيت هذه الفتوى ايضاً، فان لم يطلقها، فللمحكمة ولاية على الرجل، فتقوم بتطليق المرأة، وان كان بائنا، فلو ذهبتم الى تمكن المرأة من الطلاق متى شاءت مع بقاء المهر في يدها، كان ذلك ظلماً في حق الرجل حيث يفقد زوجته برغم اعطائها المهر.
فلا يوجد ادنى تمييز وتفاوت بين الرجل والمرأة في الطلاق والشهادة (الا في الموارد الخاصة)، وان التفاوت في باب الارث، ناتج من العدل ايضاً.
اذن لا يوجد تمييز او تفاوت في الفقه الاسلامي، الا ان القوانين ليست بالشكل الذي تذكرونه.
لا شأن لي بالقانون، وانما اسير وفق المنهج الفقهي الذي اوصى به الامام في وصيته السياسية: «التحقيق يضاف الى التحقيقات».
لو سار المقننون على طبق فتوى المشهور، فهم المسؤولون عن التمييز والتفاوت وغير ذلك من الموارد، وربما فكروا في الاجابة والاعتذار عن ذلك، وفقنا الله جميعاً لخدمة الاسلام والفقه الاسلامي اكثر من ذي قبل، وجعلنا من الوالهين بحب اهل بيت العصمة والطهارة، سيما فاطمة الزهراء(عليها السلام)، والسلام عليكم وعلى من اتبع الهدى.
___________________________________________
[1]). مجمع الفائدة والبرهان، ج 19، ص 313.
[2]). وسائل الشيعة، ج 19، ص 151.
[3]). الحجرات: 13.
[4]). ابراهيم: 4.
[5]). المائدة: 45.
[6]). وسائل الشيعة، ج 19، ص 151، الباب الاول، من ابواب ديات النفس، ح 4.
[7]). البقرة: 179.
[8]). المائدة: 45.
[9]). النساء: 176.
[10]). صحيفة الامام، ج 17، ص 231. التاريخ : 1998/12/03 تصفّح: 13580