موقع مكتب سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي مُدّ ظِلّه العالي :: مع السيد آندرياس ويغر عضو اللجنۃ الدوليۃ للصليب الأحمر
لقاء سماحة آية الله العظمى الشيخ الصانعي (دام ظله الشريف)مع السيد آندرياس ويغر عضو اللجنۃ الدوليۃ للصليب الأحمر
التقي السيد آندرياس ويغر عضو اللجنۃ الدوليۃ للصليب الأحمر سماحۃ آيۃ الله العظمى الصانعي (مدظله العالي)
و في هذا اللقاء ألقى سماحۃ الشيخ خطاباً قصيراً شكر فيه مساعي أعضاء الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ندرج هنا خلاصة خطابه .
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسول اللّه وآله الطاهرين.
الرسالة التي يحملها الصليب الأحمر والهلال الأحمر رسالة عظيمة ومسؤوليتهم كبيرة، ومن الطبيعي أن تكون أعمالهم شاقة لكن الأجر المعنوي الذي يترتّب على أعمالهم عظيم. إن نشاطات كوادر هذه المنظمة في المناطق الحربية والمتأزمة في العالم ومتابعة شؤون السجناء والإشراف على تبادل الأسرى وإعانة المنكوبين بالكوارث الطبيعية هذه كلها تدخل ضمن الأهداف الانسانية وتقع موضع رضا اللّه، وقد تأكَّدت في تعاليم جميع الأديان، ومن السعادة أن تحظى هذه النشاطات بحماية شعبية; لأنها خدمة للمظلومين والمنكوبين من الناس، ولا يمكن للدول وأصحاب السلطة أن يحدّوا من هذه النشاطات الإنسانية.
الموضوع اللافت هنا أني لم أرَ شخصاً يشكو من نشاطات وإجراءات الصليب الأحمر، وهذا يكشف عن الأهداف السلمية والمدافعة عن حقوق البشر التي تتبناها هذه المنظمة، والتي سعت لأجلها دون أن يشوبها أغراض مادية وسعي للتسلُّط.
الموضوع المهم الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن نشاطات هذه المنظمة باعتبار كونها انسانية توفّر الأرضية اللازمة للإعلام وإرشاد الشعوب، فإن إعانة جريح أو منكوب يبلور فرصة جيدة للإعلام عن تعايش سلمي خال من الأغراض الشخصية والمادية، وكما ورد التعبير الجميل في الآية التي قرأناها اول الكلام ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
لا أفضل من اولئك الذين يدعون إلى العدالة والحرية والشفقة والرحمة ويدافعون عن حقوق البشر، واني أرى رجوع جميع هذه الأمور إلى إيمان الانسان بخالقه الذي يحمل جميع صفات الكمال والحسن.
أعضاء الصليب والهلال الأحمر أثبتوا من خلال خدماتهم الانسانية أنهم لايخضعون إلاَّ للحق ولا الحكومات والقوى المادية ولا الأهواء النفسانية، فقد أعلنوا للعالم بسلوكياتهم الحسنة أنهم لايخضعون إلاَّ للحق والعدالة والحرية وحقوق البشر.
الموضوع الآخر الذي اريد الإشارة إليه هو لزوم الاستعانة بالتعاليم والنصائح، الواردة في الأديان الإلهية وفي كلمات العلماء لأجل هداية الناس نحو الكمال والدفاع عن العدالة والحرية واحترام حقوق البشر.
من المنظمات التي يمكنها أن تنظِّم وتوجِّه الجهود وتوحّدها لمواجهة الإرهاب والعنف والظلم والجرائم باستخدام هذا الاسلوب هي منظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر اللتين يحظيان بمكانة خاصة لدى الناس.
اليوم باتت الشعوب تنفر الحرب والإرهاب والعنف والظلم وتضييع الحقوق وتدين هذه الاُمور بشدة، رغم ذلك لازلنا نشهد ممارسة الضغوط والقوّة والعنف والإرهاب، ومنشأ هذه الاُمور هو القدرة الإعلامية لأعداء البشرية والعدالة والحرية لما يتمتعون به من امكانيات مادية هائلة، ومن خلالها يغررون ببعض الأفراد ويشجونهم على هذه الأعمال غير الانسانية، العلماء والنخب في المجتمعات البشرية تفقد هذه الامكانيات الاعلامية، ولو كانت لديهم لأمكنهم توجيه الشعوب والحديث عن محاسن وايجابيات الحرية والعدالة ورعاية حقوق البشر.
كنموذج أشير إلى مورد واحد، إن المرحوم المقدس الأردبيلي من كبار العلماء الشيعة ما كان يجيز لأحد الجلوس إلى جنب آخر جالس في مكان عام كالمسجد إذا كان في الجلوس إلى جنبه إيذاءً للجالس السابق، وهذا يحصل في فصل الصيف، فإن الجلوس إلى جنب آخر يؤذيه بسبب حرارة الجو، ولذا عليه الابتعاد عنه قليلاً. ومورد آخر كان الإمام الخميني(سلام اللّه عليه) يؤكد في بحوثه العلمية أن لا اختلاف في كلمة (لا إله إلاَّ اللّه) ولا في الاعتقاد بالتوحيد، وينبغي الذهاب حيث الحق والعدالة متواجدان.
الإسلام أكَّد كثيراً على رعاية حقوق الانسان، وكمثال على ذلك تأكيده على رعاية حقوق الجار بحيث ورد عن الرسول ظنه أن الجار يرث من الجار من كثرة وشدّة تأكيد اللّه على حقوقه.
كما أن للانسان وصايا وتعاليم كثيرة تخص حقوق الحيوانات، بحيث منع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أخذ الانسان وأكله الحبة التي تنقلها النملة إلى بيتها.
لقد نمَّى الإسلام العاطفة إلى جنب العقل والإدراك والعقلانية، ولذلك يحترم الإسلام العواطف والأحاسيس الانسانية كما يحترم العقل والعقلانية.
ولهذا نرى باني الكعبة ]ابراهيم (عليه السلام)[ عندما أراد وضع أُمٍّ برفقة ابنها في صحراء قاحلة وسط جبال عالية دعا قائلاً: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الْمحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ). ابراهيم، آيه 37
إن اكبر نبي يدعو بالدعاء المزبور، ومن المسلَّم أن دعاءه مستجاب، وهذا هو منطق القرآن والإسلام.
وفي زيارة الإمام علي بن الحسين رابع أئمة الشيعة لقبر أمير المؤمنين يدعو الإمام أن يجعله محبوباً لديه في السماء والأرض، فيحبه أهل السماء وأهل الأرض، وفي الحقيقة يطلب الإمام من اللّه أن يجعله محبوباً لدى الناس جميعاً.
تعدُّ زيارة أمين اللّه الواردة عن الإمام زين العابدين من الزيارات المتقنة لدى الشيعة، وقد ورد فيها: عندما تدخل حرم أمير المؤمنين من باب القبلة تقول: «فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك راضية بقضائك مولعة بذكرك ودعائك محبة لصفوة أوليائك محبوبة في أرضك وسمائك».
الإمام زين العابدين يدعو اللّه أن يحببه الناس كما يحبهم. وهذا الدعاء يكشف عن درجة راقية من حب البشر.
ارجو ان تحكموا على نحوين من الفكر، الفكر المتقدِّم والفكر الذي يدعو باسم الإسلام ودفاعاً عنه للظلم والعنف والتعذيب ويجيز وإيذاء السجناء، ولايرى في الإرهاب والقتل بأساً، بين الفكرين اختلاف أساسي.
بني الإسلام على الحب والصداقة بين الناس وإعانة أحدهم الآخر. أنتم الذين تسعون لإعانة المحتاجين بامكانكم إبلاغهم التعاليم الدينية والمحبة بين الناس، وقد كان ولازال شأن الزعماء الدينيين الدفاع عن حقوق الناس، وقد تحمّلوا الكثير في هذا المجال.
إذا أردنا استخلاص نتائج من كلامنا الماضي فإني اعتقد بالأمور التالية:
1 ـ بيَّن الإسلام حقوق جميع البشر، وهو يحترم حقوق كلٍّ منهم.
2 ـ الإسلام يؤيّد الحب والسلام بين البشر، ولا يؤيد العداوة والحرب أبداً.
3 ـ الإسلام مجموعة من القوانين السهلة جداً، ولم يضع قانوناً صعباً، ويخالف مختلف أنواع العنف والظلم، وإذا عُرِّفت الشريعة الإسلامية للمجتمع البشري بنحو صحيح احتضنها الجميع .
أسأل اللّه أن يوفّق الجميع لخدمة المجتمع البشري ويوفّر الأرضية الأساسية لمواجهة الإرهاب والعنف في جميع أرجاء المعمورة لكي تشهد مجتمعاً خالياً من العنف والإرهاب .
وفي الختام أرجو منكم ومن جميع العاملين والناشطين في هذا المجال أن لاينسونا من الدعاء. التاريخ : 2005/08/09 تصفّح: 12103