|
مسائل في خصوصيّات الغشّ/المسألة الأولى: حرمة الغشّ بنفسه وعنوانه
المسألة الأولى: حرمة الغشّ بنفسه وعنوانه إنّ الغشّ هل هو بنفسه وعنوانه حرامٌ، أم بعنوان أنّـه كذبٌ وتلبيس وأكل لمال الغير بلا رضا صاحبه؟ والظاهر أنّ الغشّ بنفسه وعنوانه وبما هو هو حرامٌ؛ لأنّ العناوين ظاهرة في الموضوعيّـة، لا المشيرية إلى عناوين أخر، وحرمته كذلك مورد وفاقٍ، إلّا من الفاضل الإيرواني، حيث ذهب إلى حرمته بعنوان أنّـه كذب وأكل للمال بلا رضا صاحبه، قال(قدس سره): وأمّا الكلام في حكم الغشّ تكليفاً، فالذي يظهر لي من الأخبار: أنّ الغشّ بنفسه وبعنوانه ليس محرّماً من المحرّمات، وإنّما يحرم بعنوان أنّـه كذب، وأيضاً يحرم بما أنّـه أكل للمال بلا رضا صاحبه، فكان الغشّ جزئيّاً من جزئيّات التصرّف في ملك الغير بلا رضاه، وهذا الذي قلناه ـ مع أنّـه المنساق من الأخبار ـ يظهر بالسير والتأمّل؛ إذ لولا أنّ المحرّم هو ما ذكرناه فإمّا أن يكون المحرّم هو شوب اللبن بالماء، فمن المعلوم أنّ شوب اللبن بالماء ليس بحرامٍ، أو يكون المحرّم هو عرض المشوب على البيع، ومن المعلوم أنّ مجرّد العرض ليس بحرامٍ حتّى إذا اتّفق أن لم يبع، أو يكون المحرّم هو إنشاء البيع، ومن المعلوم أنّ مجرّد الإنشاء ليس بحرامٍ لو نبّه بالغشّ قبل أن يقبض، أو حطّ من ثمنه، أو أبرء ذمّته من الثمن، أو خيّره بين الأخذ والترك، فيتعيّن أن يكون الغشّ هو أخذ قيمة غير المغشوش بإزاء المغشوش، وكان هذا هو المحرّم، وهو الذي دلّت الأخبار على تحريمه، فكانت الأخبار أدلّة على الفساد دون الحرمة التكليفيّـة، فإنّ حرمة التصرّف في الثمن شأن المعاملة الفاسدة.([737]) ويرد عليه أوّلاً: أنّ القول بحرمة الغشّ بعنوان أنّـه كذب، ممنوعٌ؛ لظهور الكذب في الكذب القولي، وإطلاقه على الكذب العملي مجاز يحتاج إلى القرينة الصارفة. هذا مضافاً إلى عدم إشارة في روايات الغشّ إلى أنّـه كذب، ومضافاً إلى أنّ الغشّ لو كان محرّماً بعنوان أنّـه كذب، فلا احتياج إلى هذه الروايات الكثيرة بل المتواترة الدالّة على حرمته، بل يكفي فيها الروايات الواردة في حرمة الكذب، مع الإشارة فيها إلى أنّ الغشّ من مصاديق الكذب. وثانياً: أنّ ظاهر الروايات موضوعيّـة عنوان الغشّ في الحرمة؛ لظهور العناوين في الموضوعيّـة، فلا مجال للقول بأنّ المنساق من الروايات حرمته بعنوان أنّـه كذب وبعنوان أنّـه أكل للمال بلا رضا صاحبه. وثالثاً: أنّ قوله: أنّ السير والتأمّل يقتضي كون المحرّم في الغشّ هو أخذ قيمة غير المغشوش بإزاء المغشوش، ممنوعٌ بأنّ الغشّ هو عنوان منتزع من شوب اللبن بالماء وجعله في معرض البيع وبيعه للمشتري مع إخفاء ذلك، فالمحرّم هو عنوان الغشّ المنتزع عن هذه الأمور الثلاثة، لا نفس هذه العناوين حتّى يستلزم عدم حرمة هذه الأمور حرمته. ---------------- [737]. حاشية المكاسب (للإيرواني) 1: 29.
|